جاءت القمم الثلاث، التي عقدت في مكة المكرمة مؤخراً، كأوضح تجسيد لمفهوم القوة الناعمة، لاسميا في ظل مكانة المدينة المقدسة ذاتها.
ومن أهم تأثيرات العولمة على الدبلوماسية هذا الاستثمار المتزايد في «الدبلوماسية الشعبية»، أي استخدام سرعة التواصل بين الناس العاديين لممارسة العلاقات الدولية، وعدم اقتصارها على الأجهزة العليا بين الدول.
ورغم هذه الحقيقة، فإنه حتى قبل اشتداد وتيرة العولمة في نهاية القرن الماضي، كان الجزء الأكبر من الدبلوماسية يتمثل في العلاقات العامة ومخاطبة الرأي العام. وجاءت العولمة ومركزية وسائل التواصل الاجتماعي لتؤكد، بل ولتزيد من أهمية العامل الشعبي في الدبلوماسية.
أساس النجاح في معركة الرأي العام هذه ليس القوة العسكرية بل القوة الناعمة. ومن هذه الناحية تُعدّ قمم مكة مما نستطيع تسميته بالمعنى الشعبي «ضربة معلم»، أي مبادرة تستخدم كل وسائل القوة الناعمة لتحقيق الهدف وبنجاح كبير للغاية.
وكما نعلم، فإن المملكة العربية السعودية محظوظة بوجود أهم مدينتين إسلاميتين، مكة المكرمة والمدينة المنورة، في أراضيها، حيث يتوجه المسلمون في جميع أنحاء العالم خمس مرات يومياً نحو الكعبة المشرفة، بل إن الأمنية الأغلى للكثير منهم هي زيارة مكة قبل لقاء ربهم.
وقد انعقدت في مكة المكرمة إذن نهاية الأسبوع الماضي قمم ثلاث: قمة خليجية، ثم قمة عربية طارئة، ثم قمة إسلامية للاحتفال بالذكرى الـ57 لتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي ولانتقال الرئاسة الدورية إلى السعودية. وقد ارتكز النجاح في استغلال القوة الناعمة على أربعة محاور هي:
1- جاء انعقاد القمم الثلاث ليُجسد التلاقي والتآلف بين ثلاث مستويات على الأقل، الإقليمي الفرعي (القمة الخليجية)، والإقليمي الأوسع (القمة العربية)، والعالمي أو شبه العالمي (القمة الإسلامية). ولعل الربط بين هذه المستويات وحشدها يلفت النظر إلى عوامل الوحدة ويذكّر بها في وقت يزداد فيه الكلام عن عوامل الفرقة والتشرذم.
2- جاءت هذه القمم بالقرب من الكعبة الشريفة، ما جعل الملايين من المسلمين يدعون للقادة وقممهم الثلاث بالنجاح والتوفيق.
3- كان اختيار التوقيت في غاية التوفيق. وكما هو معروف فإن العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم هي الأكثر بركة، وربما كانت ضمنها ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر.
4- من ناحية العلاقات الدولية، جاءت القمم في وقت تعاني فيه المناطق الثلاث من أزمات متفاوتة. فمنطقة الخليج تعاني من توتر وتصعيد جراء الممارسات الإيرانية، كما يشهد على ذلك إرسال السفن الحربية وأسراب الطائرات الأميركية مؤخراً. أما المنطقة العربية فإن قضيتها المركزية -فلسطين- تمر بمرحلة حرجة عشية طرح ما يُسمى «صفقة القرن» الأميركية التي تكثر الإشاعات والتسريبات حولها، لكن ليس هناك نص رسمي لها. فقد أعلنت واشنطن أنه سيتم طرحها بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، لكن تم تغيير هذا التاريخ ليكون بعد عيد الفطر. ثم جاءت أزمة تشكيل حكومة ائتلاف إسرائيلية وإعادة الانتخابات في شهر سبتمبر ليتم تأجيل إعلان «الصفقة» مجدداً!
ولعل الغموض حول هذه «الصفقة» يعكس تذبذب السياسة الأميركية وأزمة صنع القرار في البيت الأبيض. وقد يكون هذا التذبذب حيال المنطقة وقضيتها المركزية، من جانب القوة الأعظم في العالم، فرصة للنظام الإقليمي العربي لملء الفراغ ولإيجاد مبادرات بغية مواجهة التحديات المتزايدة.
*أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية -القاهرة
ومن أهم تأثيرات العولمة على الدبلوماسية هذا الاستثمار المتزايد في «الدبلوماسية الشعبية»، أي استخدام سرعة التواصل بين الناس العاديين لممارسة العلاقات الدولية، وعدم اقتصارها على الأجهزة العليا بين الدول.
ورغم هذه الحقيقة، فإنه حتى قبل اشتداد وتيرة العولمة في نهاية القرن الماضي، كان الجزء الأكبر من الدبلوماسية يتمثل في العلاقات العامة ومخاطبة الرأي العام. وجاءت العولمة ومركزية وسائل التواصل الاجتماعي لتؤكد، بل ولتزيد من أهمية العامل الشعبي في الدبلوماسية.
أساس النجاح في معركة الرأي العام هذه ليس القوة العسكرية بل القوة الناعمة. ومن هذه الناحية تُعدّ قمم مكة مما نستطيع تسميته بالمعنى الشعبي «ضربة معلم»، أي مبادرة تستخدم كل وسائل القوة الناعمة لتحقيق الهدف وبنجاح كبير للغاية.
وكما نعلم، فإن المملكة العربية السعودية محظوظة بوجود أهم مدينتين إسلاميتين، مكة المكرمة والمدينة المنورة، في أراضيها، حيث يتوجه المسلمون في جميع أنحاء العالم خمس مرات يومياً نحو الكعبة المشرفة، بل إن الأمنية الأغلى للكثير منهم هي زيارة مكة قبل لقاء ربهم.
وقد انعقدت في مكة المكرمة إذن نهاية الأسبوع الماضي قمم ثلاث: قمة خليجية، ثم قمة عربية طارئة، ثم قمة إسلامية للاحتفال بالذكرى الـ57 لتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي ولانتقال الرئاسة الدورية إلى السعودية. وقد ارتكز النجاح في استغلال القوة الناعمة على أربعة محاور هي:
1- جاء انعقاد القمم الثلاث ليُجسد التلاقي والتآلف بين ثلاث مستويات على الأقل، الإقليمي الفرعي (القمة الخليجية)، والإقليمي الأوسع (القمة العربية)، والعالمي أو شبه العالمي (القمة الإسلامية). ولعل الربط بين هذه المستويات وحشدها يلفت النظر إلى عوامل الوحدة ويذكّر بها في وقت يزداد فيه الكلام عن عوامل الفرقة والتشرذم.
2- جاءت هذه القمم بالقرب من الكعبة الشريفة، ما جعل الملايين من المسلمين يدعون للقادة وقممهم الثلاث بالنجاح والتوفيق.
3- كان اختيار التوقيت في غاية التوفيق. وكما هو معروف فإن العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم هي الأكثر بركة، وربما كانت ضمنها ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر.
4- من ناحية العلاقات الدولية، جاءت القمم في وقت تعاني فيه المناطق الثلاث من أزمات متفاوتة. فمنطقة الخليج تعاني من توتر وتصعيد جراء الممارسات الإيرانية، كما يشهد على ذلك إرسال السفن الحربية وأسراب الطائرات الأميركية مؤخراً. أما المنطقة العربية فإن قضيتها المركزية -فلسطين- تمر بمرحلة حرجة عشية طرح ما يُسمى «صفقة القرن» الأميركية التي تكثر الإشاعات والتسريبات حولها، لكن ليس هناك نص رسمي لها. فقد أعلنت واشنطن أنه سيتم طرحها بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، لكن تم تغيير هذا التاريخ ليكون بعد عيد الفطر. ثم جاءت أزمة تشكيل حكومة ائتلاف إسرائيلية وإعادة الانتخابات في شهر سبتمبر ليتم تأجيل إعلان «الصفقة» مجدداً!
ولعل الغموض حول هذه «الصفقة» يعكس تذبذب السياسة الأميركية وأزمة صنع القرار في البيت الأبيض. وقد يكون هذا التذبذب حيال المنطقة وقضيتها المركزية، من جانب القوة الأعظم في العالم، فرصة للنظام الإقليمي العربي لملء الفراغ ولإيجاد مبادرات بغية مواجهة التحديات المتزايدة.
*أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية -القاهرة